معركة خلدة يرويها الأخ الرّئيس نبيه برّي

http://www.afwajamal.com/vb/showthread.php?t=13356            : المصدر منتديات افواج أمل  

Picture
بعد توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع مصر، وبعدما احتوت الجبهة المصرية، أعدت اسرائيل لغزو لبنان، بهدف توجيه الضربة القاصمة الى المقاومة الفلسطينية، ولتحقيق اطماعها التاريخية في لبنان، وبالتالي، إلحاقه بفلكها، ومن خلاله تضييق الخناق على سوريا.
كانت اسرائيل، في الفترة التي تلت اجتياحها الأول للجنوب اللبناني عام 1978 تحت عنوان «عملية الليطاني»، قد شرعت في إعداد جيشها لهذا الهدف، وأجرت في الفترة القصيرة السابقة للاجتياح في العام 1982، مناورات وتدريبات على حرب شوارع واقتحامات، كانت مسرحها بشكل اساسي، بلدة الخيام الحدودية، التي افرغها العدو وميليشيات سعد حداد من اهلها، وجعلت قوات الاحتلال من منازلها واحيائها، أهدافا مفترضة لعميات مقررة في الداخل اللبناني، وفي المخيمات الفلسطينية على وجه الخصوص.
بعدما اكتملت الخطة العسكرية، أوجد العدو «المبرر الاسرائيلي» للبدء بالتنفيذ، وسرعان ما ظهر، في محاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن. حيث سارعت اسرائيل الى توجيه الاتهام الى منظمة التحرير الفلسطينية، واتخذت هذه المحاولة، الذريعة الاساسية لشن العدوان.
كانت الساعة تشير الى الثلاثة والربع، بعد ظهر يوم الجمعة في 4 حزيران 1982. تشكيل من الطائرات الحربية الاسرائيلية، يخرق أجواء العاصمة اللبنانية بيروت، وينقضّ على «مدينة كميل شمعون الرياضية» في بئر حسن، وعلى الأحياء المحيطة بها. وقد كان هذا الصرح الرياضي، أحد أكبر القواعد العسكرية للمقاومة الفلسطينية.
شنت الطائرات الاسرائيلية سلسلة غارات، دمرت «المدينة الرياضية» بالكامل، وسقط العشرات شهداء وجرحى، هذا في وقت كانت المخيمات الفلسطينية في بيروت وفي الجنوب تتعرض لقصف جوي وبري وبحري لم تشهد مثيلا لعنفه من قبل.
ردت المقاومة الفلسطينية على هذا العدوان، بقصف صاروخي عنيف لمستوطنات الشمال في فلسطين المحتلة، وركزت على مستوطنة «كريات شمونة».
انطوى يوم الجمعة، على دمار هائل، وعلى العشرات من الشهداء.
اليوم التالي، السبت في الخامس من حزيران، حمل مع ساعات صباحه الاولى اعنف قصف بكل الآلة الحربية الاسرائيلية الاميركية، امتد من بيروت والمخيّمات الفلسطينية، الى الطريق الساحلي، في اتجاه الجنوب، حيث قطعته قبالة مسبح «الفاميلي بيتش» في خلدة، وزرعته الغارات الجوية بالصواريخ، وصولا الى صيدا وصور وكل العمق الجنوبي.
لم يكن قصف هذين اليومي، سوى مقدّمة عدوان واسع بدأه جيش الاحتلال مع انبلاج فجر الاحد في 6 حزيران 1982، حيث دفع العدو بقواته في اتجاه لبنان، فتقدمت أرتال آليات العدو شمالا، ومن محاور عديدة، وتحت ستار من القصف الجوي والبري والبحري، واحتلت الجنوب سريعا،وواصلت زحفها، حتى بلغت في الثالث عشر من حزيران مشارف بيروت، وعلى مقربة من القصر الجمهوري في بعبدا.
جوبهت القوات الغازية بمقاومة متفرقة، لكنها لم تكن لتوازي حجم الآلة العسكرية الاسرائيلية. والمجابهة الأعنف للعدو، كانت في خلدة، حيث خاض المقاومون اللبنانيون أشرس صدّ ومواجهة. واستبسالهم في وجه القوات الغازية، جعل من مثلث خلدة عند المدخل الجنوبي لبيروت، مثلث التضحية والصمود، امام «الجيش الذي لا يقهر»، حيث ثبتوا فيه، وتمكنوا من وقف التقدم الاسرائيلي هناك، بعدما قتلوا نائب رئيس الأركان الاسرائيلي، وغنموا العديد من الآليات:
عندما وصل الاسرائيليون الى خلدة، كنت موجودا في مقر قيادة «حركة أمل»، في برج البراجنة. يومها، جاء أحد الأشخاص وقال لي: لقد وصل الاسرائيليون الى خلدة.
للوهلة الاولى، ظننت ان خلدة هي واحدة من بلدات الجنوب، فأخذت أجول بتفكيري وأسأل نفسي عن خلدة، وأين تقع، وفي اي قضاء من اقضية الجنوب؟! وعندما تأكدت سألت: وكيف وصلوا الى خلدة بهذه السرعة، وكأنهم جايين بمشوار؟
ثم بدرت مني حركة لا شعورية، اذ وجدتني أقف، في مكاني. ثم هرعت راكضا الى مدخل المقر، وعنده كان يقف أحد الحراس، فانتزعت رشاشه، وأخذت أهرول في الشارع، متّجهاً صوب المطار، فلحق بي الشباب الحركيّون، وتمنّوا علي الرجوع، ومنعوني من إكمال طريقي، فعدت معهم. فيما توجهت على الفور، مجموعات حركية من كل المناطق في بيروت والضاحية الجنوبية، وأذكر منها مجموعة من شباب «حي السلّم»، ولذلك سميت هذا الحي بـ«حي الكرامة». كما أذكر مجموعة ثانية كان من ضمنها قبلان قبلان.
وصلت مجموعات الحركة الى خلدة، ونصب الشباب كمائن بالقرب من مدينة الزهراء، وفوق الطريق وتحتها، وما إن وصلت الدبابات والآليات الإسرائيلية، حتى أطبق عليها مجاهدو «أمل»، وخاضوا مع القوات العدوّة ملحمة بطولية، وأرغموها على التوقف في خلدة، التي تقدم اليها بآلياته، وكأنه يقوم بنزهة. فقد قطع كل هذه المسافة على طول الجنوب الى خلدة، ولم يجد من يتصدّى له؟
في هذه المعركة، تمكّن شباب «أمل»، من تدمير عدة اليات، ومن أسر عدة ملالات إسرائيلية، وفي احداها أحضر المجاهدون الحركيّون، جثث ثلاثة من جنود العدو، وجاؤوا بهذه الملالات الى الضاحية الجنوبية، وأخذوا يجولون بها في الشوارع، ولقد سلمنا الجثث لاحقا الى الفلسطينيين.


في خلدة، كان التصدّي الأول للإحتلال الاسرائيلي، وقام به مجاهدو «حركة أمل». ومنذ ذلك الحين، انطلقت المقاومة ضد قوات الاحتلال، وليس في اي تاريخ اخر، وليس صحيحا على الإطلاق، كل الكلام، الذي قيل من بعض الاطراف، عن ان العملية الاولى حصلت في هذا المكان او ذاك، لقد كانت الإنطلاقة من خلدة، ومن قبل شباب «حركة أمل».
استطاع المجاهدون ان يصمدوا في خلدة، لنحو أسبوع، ما أتاح لنا، وللفلسطينيين، ان نلتقط أنفاسنا، ونبدأ في بناء التحصينات، والعوائق في وجه التقدّم الاسرائيلي. ولو ان «حركة أمل» لم تصمد، في خلدة، لكان العدو باغتنا باحتلاله بيروت، وقبض علينا في بيوتنا.
أذكر أنني، وقبل توجه المجاهدين الحركيين الى خلدة، اجتمعت بهم، وقلت لهم: لن نفر امام العدو، ان قرارنا هو اننا سنقاتل، وسنتصدى، وسنواجه اسرائيل، مهما بلغت قوتها، ومهما قتلت منا. ان الإمام الصدر رسم هذا النهج، ونحن في قلب هذا النهج ولن نحيد عنه، وسندافع عن ارضنا، وانا في مقدمتكم.
في خلدة، كان الشهيد عدنان حلباوي قائد المحور، ومعه قبلان قبلان وبعض الكوادر، وبعدما قاموا بتوزيع المجموعات في مدينة الزهراء، ومثلّث خلدة، وعلى شاطئ البحر، اتخذوا من «سنتر سالم»، وهو عبارة عن بناية كانت ما تزال على العظم وفيها ملجأ. وكانت ضمن المجموعات الكامنة في مدينة الزهراء، مجموعة أشبال، من بينها شبل إسمه «طارق».
عندما بلغ الإسرائيليون خلدة، وصلوها بادئ الأمر بطريقة استعراضية، اذ ان احدى الملالات الاسرائيلية تقدمت الى قرب مدخل مدينة الزهراء، وهناك دارت حول نفسها، وأخذت طريقها عائدة وبابها الخلفي كان مفتوحا، فما كان من هذا الشبل الحركي الا ان رماها بقذيفة «آر. بي. جي»، دخلت من الباب الخلفي وانفجرت في داخلها ما أدى الى مقتل كل طاقمها، وكان من بينهم نائب رئيس الأركان الاسرائيلي. وأعقب ذلك اشتباك، تراجعت خلاله كل الآليات الاسرائيلية، وفر الجنود من بعضها، فركض الشبل الحركي الى احداها، وقادها وأتى بها الى بيروت. وبعد ذلك قمنا بطمرها في التراب بالقرب من «روضة الشهيدين»، وبقيت هذه الملالة عندنا حتى ما بعد «انتفاضة 6 شباط» 1984.
كان قبلان من بين الشباب الحركيين، الذين كانوا يرابضون في «سنتر سالم» في خلدة، وفي احد الايام انقضت عليهم الطائرات الحربية الاسرائيلية، وشنت غارات عنيفة على المبنى، وأدى ذلك الى تدميره، فسقط عدد من الشهداء، فيما أصيب جميع الشباب بجروح، ومن بينهم قبلان، الذي أدى انفجار صاروخ بالقرب منه، الى اصابته بعطب دائم في أذنيه، وخضع من جرائه الى علاج مرير